دوامة العملة والأدوية.. كيف تقود قرارات حكومية وسوق متعثر إلى انهيار الرعاية الصحية في إيران؟

دوامة العملة والأدوية.. كيف تقود قرارات حكومية وسوق متعثر إلى انهيار الرعاية الصحية في إيران؟
أزمة نقص الأدوية

 

تحذر مؤسسات برلمانية ومسؤولون صحيون ومنظمات محلية ودولية من أن أزمة نادرة الوقوع في سوق الأدوية الإيرانية باتت تهدد بحدوث "كوارث إنسانية" إذا لم تُصرف عملات الاستيراد المخصصة للأدوية واللقاحات في الوقت المناسب، تحذيرات كهذه تستند إلى مؤشرات عملية، منها: نقص مئات الأنواع من الأدوية الأساسية، ارتفاع أسعار أدوية تحتاجها أمراض مزمنة، وتعطّل قدرة المصانع المحلية على تأمين المواد الأولية، وهذه المعادلة قد تتحول سريعاً إلى موجة وفيات وحالات طوارئ صحية واسعة النطاق إن لم تُعالج العوامل الاقتصادية والسياسية واللوجستية المتراكمة، وفق "إیران إنترناشيونال".

لا يمكن فهم أزمة الأدوية الراهنة بمعزل عن تلاقي ثلاثة عوامل متبادلة تتمثل في تراجع قدرات العملة الصعبة لدى البنك المركزي، تغيّر سياسات الدعم ورفع آليات التخصيص المفضلة، وتأثير العقوبات الدولية التي تعرقل التحويلات المصرفية رغم وجود استثناءات إنسانية رسمية، وفي نهاية 2024 وأوائل 2025 ألغت طهران آليات أو أسعار صرف تفضيلية كانت تُستخدم لاستيراد الأدوية والمواد الأولية، ما دفع المستوردين والمصنّعين إلى رفع الأسعار أو تقليص الإنتاج، وهذا القرار جاء في وقت تشهد فيه العملة المحلية هبوطاً حاداً وتذبذباً في الاحتياطات، ما زاد من صعوبة الدفع للموردين الخارجيين. 

نقص ملموس وتأثيرات سريرية حقيقية

تقارير تشخيصية وتحليلية تؤكد أن النقص صار واسع النطاق؛ ومصادر مهنية أشارت إلى وجود مئات من أنواع الأدوية في مستويات نقص مختلفة، وبعضها غير متوفر تماماً على مستوى الصيدليات والمستشفيات، والنتيجة تظهر في انعكاسات عملية تتجسد في صعوبة في تأمين علاجات للسكري والسرطان والهيموفيليا والتلاسيميا وأمراض المناعة، ما يضع حياة آلاف المرضى في خطر يومي، وفي حالات سابقة تربطها منظمات أهلية ومهنية بالأزمات الدوائية، قُدّر عدد حالات الوفاة الإضافية لدى مرضى تلاسيميا بعشرات المئات منذ تفاقم مشاريع العقوبات في 2018، وهو دليل على ما قد يحدث إذا تفاقم النقص الحالي. 

آلية الزناد والعقوبات

الحديث عن "آلية الزناد" أو فرض عقوبات دولية أصبح جزءاً من الحجة الرسمية لبطء تخصيص العملة، لكن التحليلات تشير إلى أن مشكلة التمويل الأجنبي للواردات الطبية مركبة؛ حيث تعقّد بعض العقوبات العمليات المصرفية، وهو ما يعترف به طرف دولي في السياق العام، لكن مَنظمات دولية ومن جهات مانحة تؤكد أن قنوات إنسانية وتجارية مصمّمة للسماح بتصدير الأدوية وموادها الخام كانت متاحة سابقاً، بالتالي، الإشكالية تشمل أيضاً إدارة الاحتياطيات والقرارات السياسية الداخلية وسرعة البيروقراطية المصرفية أكثر من كونها سبباً خارجياً محضاً، ومع تصعيد تهديدات بإعادة فرض رسوم جمركية وقيود أشد، يمكن أن تتقلص فُرص التحايل التجاري على القيود أكثر، ما يزيد الضغوط على الإمدادات. 

تداعيات إنسانية واجتماعية واقتصادية

أزمة أدوية واسعة تعني تفاقماً سريعاً في معاناة مجموعات حساسة تشمل مرضى السرطان ومرضى السكري وذوي الأمراض الوراثية والمسنين، بالإضافة إلى الوفيات المحتملة. ويؤدي شح الأدوية إلى تفاقم حالات الإعاقة، زيادة العبء على المستشفيات، وإضعاف ثقة الشعب بقدرة الدولة على حماية الصحة العامة. واقتصادياً، نرى تضخماً في الإنفاق الصحي الأسري، لجوءاً متزايداً إلى السوق السوداء، وهجرة علاجية لمن يقدرون على تأمين الرعاية في الخارج، وكلها عناصر تؤدي إلى مزيد من التفاوت الاجتماعي واضطرابات محلية قد تتصاعد سياسياً. 

منظمات حقوقية دولية ومنظمات طبية وأجهزة أممية كررت مطالبها بضرورة جعل الأدوية واللوازم الطبية معفاة عن أثر العقوبات وأن تُحفظ قنوات دفع شفافة وفعّالة للصفقات الإنسانية، وفي الوقت نفسه طالبت هيئات أممية بضمان وصول اللقاحات وبدء حملات طارئة حيث لزم الأمر، ودعت إلى مزيد من الشفافية في تخصيص العملة المخصصة للقطاع الصحي ومحاسبة الجهات التي تختلس أو تعيد توجيه هذه المخصصات، ووصفت الجهات المحلية في إيران، وممثلون برلمانيون عن لجنة الصحة، التأخير الرسمي في تزويد المستوردين بالعملة بأنه سلوك قد يقود إلى "كوارث إنسانية" إن لم تُسرّع الإجراءات وفق "ريليف ويب". 

الإطار القانوني للحق في الصحة ومسؤولية الدولة

إيران طرف في المواثيق الدولية التي تعترف بالحق في الصحة، ما يفرض عليها التزامات لاحترام وحماية وتمكين الوصول إلى الخدمات الصحية الأساسية، وهذا الإطار الدولي يضع على عاتق الدولة مسؤولية اتخاذ تدابير ملائمة وملموسة، ومنها تخصيص الموارد المتاحة بأولوية لحماية الصحة، واتخاذ خطوات لمنع تفاقم الأزمات التي تهدد حياة السكان، وعدم اتخاذ إجراءات سريعة ومعقولة لمواجهة نقص الأدوية يمكن قراءته في سياق انعدام الامتثال لهذه الالتزامات الدولية. 

تدعو الجهات المتخصصة إلى حزمة إجراءات فورية وقابلة للتنفيذ، منها: إعادة تخصيص عملة عاجلة للمستوردات الطبية، وتفعيل قنوات تحويل مصرفية إنسانية شفافة، ودعم عاجل للمصانع المحلية لتأمين المواد الأولية، وإطلاق مخزون وطني طارئ من الأدوية الحرجة، وتعزيز آليات الرقابة لمنع تهريب الأدوية أو تحويل مخصصات الدعم إلى سلع أخرى. وعلى المدى المتوسط، تشمل الخطة إصلاحات هيكلية في سياسة الدعم، إعادة هيكلة سوق الصرف الأجنبي، وتنويع سلاسل التوريد المحلية لتقليل الاعتماد على مدخلات حساسة تُستورد من مصادر عرضة للاضطراب. 

أزمة نقص الأدوية في إيران ليست تهديداً صحفياً عابراً بل اختبار لحماية الحق في الحياة والصحة على نطاق وطني، ومع تصاعد الضغوط الاقتصادية وسياسات تحويل العملة وإمكانية تشديد عقوبات دولية، تتآكل قدرة الدولة والمجتمع المدني على حماية الفئات الأشد ضعفاً، وما تحتاجه البلاد هو قرار سيادي سريع وشفاف لتأمين الدواء واللقاحات وإدارة القنوات المالية بآلية تضمن أن تصل الموارد إلى المرضى قبل أن تتحول الأزمة إلى كارثة إنسانية لا تعود لها مفروشات. 



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية